الدكتور خالد قنديل يكتب :الاقتصاد المصري وتداعيات الحرب
الدكتور خالد قنديل يكتب :الاقتصاد المصري وتداعيات الحرب
الدكتور خالد قنديل

ما من حرب تنشب إلا وكان لها تداعياتها الاقتصادية على حياة الشعوب وربما يستمر ذلك التأثير لعقود طويلة، ولا شك أن الصراع الذي تطور إلى حرب بين روسيا وأوكرانيا، والذى لا يستطيع أحد أن يتنبأ بمآلها خصوصًا بعد تزايد وتيرة الأحداث، من شأنها تغيير موازين القوى العالمية، وقد ألقت بظلالها الثقيلة على الاقتصاد العالمي مع ازدياد حدة موجة التضخم العالمية، وما ترتب عليها من ارتفاع أسعار السلع الغذائية وغيرها، ولم تكن مصر بمنأى عن التأثر الاقتصادي الناجم عن هذه الحرب التي تشهد كل يوم سيناريو مختلفًا، لنقف أمام سؤالين مهمين: ما حجم التأثير وما الحلول الممكنة لمواجهة هذه التداعيات الاقتصادية.

وتختلف تداعيات أزمة الحرب على الاقتصاد المصري؛ نظرًا لأنها أكبر مستورد للقمح في العالم، وكذا لأنها مستورد للنفط، ويعتمد القطاع السياحي في مصر على السياحة الواردة من روسيا وأوكرانيا، وفي يونيو الماضي أسفرت مراجعة وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية لمستهدفات مؤشرات الاقتصاد المصري في ظل تطورات الأزمات العالمية المتتالية للسنة المالية 2022/2023 عن تراجع معدلات النمو الاقتصادى المستهدف، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة المتوقعة، مع تراجع معدل الاستثمار في الناتج المحلى، وقد أكد رئيس الوزراء أن تأثير الأزمة جراء الحرب على مصر متوقع استمراره خلال العام الجاري، وأن التكلفة المباشرة وغير المباشرة للحرب هي 465 مليار جنيه، فمصر لديها حالة خاصة نظرًا للصلات التجارية والسياحية القوية بدول الأزمة وأوروبا، إذ إن 42% من إجمالي واردات مصر من الحبوب عام 2021 كانت من روسيا وأوكرانيا، كما أن هناك تأثيرًا على إيرادات النقد الأجنبي من السياحة جراء تلك الحرب.

ولأننا في أزمة هي بالأساس أزمة دولية انعكست علينا محليًا على مستوى الدولة، ثم على مستوى الأفراد، فقد يكون من الطبيعي أن نعرف كيف سيواجه كل منا ـ كأفراد ثم كدولة ـ هذه الأزمة، ووجود الأزمة عالميًا في الغذاء ببساطة؛ لأن أكبر دولتين متخصصتين في توريد المواد الغذائية الأساسية هما روسيا وأوكرانيا وقعتا في حالة حرب، بل وإحداهما تقع تحت طائلة عقوبات دولية، وبالتالي لا تستطيع حتى إن أرادت أن تقوم بتوريد منتجاتها الغذائية، ومن الواضح أن تأثير هذه الأزمة الاقتصادية الجديدة يختلف عن الأزمة بعد جائحة كورونا، حيث إن الفارق أن العالم كان على قلب رجل واحد حيال كورونا، أما أزمة الحرب الحالية فإنها قسمت العالم بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، حيث كل الأطراف تتنازع من أجل تحقيق مصالحها، وقد تجاوزت مصر تأثيرات أزمة كورونا واستطاعت تحقيق معدلات نمو قوية فقد دخلت أزمة كوفيد-19 وهى تتمتع بوضع اقتصادى جيد نتيجة نجاح الإصلاحات الاقتصادية التى نفذتها الحكومة منذ 2016، لكن أزمة الحرب الروسية - الأوكرانية جاءت لتهدم كل استعداداتنا من أجل استعادة تعافي الاقتصاد المصري، ففي قطاع السياحة مثلا، وبعد كل الافتتاحات الكبيرة؛ سواء للمتحف المصري الجديد أو نقل المومياوات في مهرجان رائع أو الاحتفالية الرائعة التي أقيمت في الأقصر بعد كل هذا الجهد كان من الطبيعي، لولا الحرب، أن نستقبل أعدادًا هائلة من السائحين وهو ما كان سيعجل بتعافي هذا القطاع المهم الذي يشارك بنصيب كبير في الدخل القومي، لكن لم تكن الخسائر في مثل هذه القطاعات فقط، لكن أيضًا في ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع أسعار الغذاء (القمح والزيوت والحبوب الأخرى)، كل هذا أدى إلى زيادة المصروفات بأكثر من 50% وهو عبء كبير علي الدولة.

وتستعد كل نظم الاقتصاد الرأسمالي في العالم، ببرامج محددة لمواجهة الأزمات؛ لأن لديها ما تعتمد عليه من الإنتاج؛ سواء كان زراعيًا أو صناعيًا، وهو بالتحديد ما يشكل الجزء الأهم من دخل الدولة، لذلك فقد استطاعت روسيا مثلا الوقوف أمام العقوبات الاقتصادية، في الوقت الذي تئن فيه إيران من عقوبات مثيلة، على الرغم من أن طهران وجدت وسائلها الخاصة للتعاطي مع هذه العقوبات، ذلك أنها تملك ثروة اسمها البترول فقامت بمقايضته مقابل كل ما تحتاج إليه، والبترول هو أيضًا، ما يساعد الآن الأشقاء في الخليج على تجاوز الكثير من مشكلاتهم المادية لارتفاع أسعاره منذ اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية، وفي الوقت الذي ستصبح فيه مصر دولة ذات ثقل في موضوع الطاقة؛ سواء من حيث إنتاج الغاز أو الهيدروجين الأخضر، ما يشير إلى أن الأزمة جاءت في وقت قاتل بالنسبة لعملية التنمية في مصر، لكن مع ذلك تأتي اتفاقية تصدير ونقل الغاز بين مصر والاتحاد الأوروبي، في وقت تنفذ فيه روسيا بالفعل ما يسمى بـ"حرب الغاز" ضد أوروبا، ما أثار مخاوف دول القارة العجوز ودفعها للعمل على تنويع مصادر الطاقة والاعتماد على بدائل للغاز الروسي، وتمتلك مصر بنية تحتية قوية لتسييل الغاز الطبيعي، ولديها محطتان للتسييل في إدكو بمحافظة البحيرة ومحافظة دمياط شمالي مصر، فيمكنها استيراد الغاز من دول الجوار التي تنتج الغاز ولا تملك القدرة على تسييله بكميات كبيرة، وبالتالي يمكن تصديره بعد ذلك من خلال ناقلات الغاز المسال أو خطوط الأنابيب، وبذلك تحقق مصر استفادة أكبر من تصدير إنتاجها فقط، كما أعلنت الحكومة خطة رسمية لمواجهة التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية تبدأ بتعزيز قيمة المنتج والصناعة المحلية، وتوطين الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإتاحة الفرص أمام القطاع الخاص، وإعادة هيكلة الدين العام وخطة للنهوض بسوق المال المصرية، مع استمرار الحفاظ على البعد الاجتماعي.

ومع كل هذه الخطوات والعناوين ذات الخطوط العريضة فإن تحقيق المواجهة السليمة يتطلب تكاتف الجميع، والإحساس المشترك بالمسئولية، فعلى الدولة أن تضرب بيد من حديد على من يتاجرون بالأغذية ليستغلوا هذه الأزمة، ويخرجوا منها ببضعة ملايين، سواء برفع الأسعار أو إخفاء المنتجات أو تصديرها للكسب من فارق العملة، ففي مثل هذه الأحوال لابد أن تكون الإجراءات صارمة وواضحة، كذلك الوعي من قبل أفراد الشعب وفهمهم لأبعاد الأزمة؛ لأن هذا الفهم سوف يساعد كثيرًا في تخطي هذه الأزمة وأي أزمات محتملة، ولابد كذلك من التأكيد على دور المجتمع المدني في رعاية الفقراء ودعم شبكات الإعانات، لكن برقابة حكومية حتى لا تضيع أموال المتبرعين وتصل إلى جيوب المستفيدين، على المجتمع المدني أن يمد يده ـ كما فعل فترة كورونا- لتصل إلى كل أنحاء مصر ويقدم خدماته، عليه أن يؤكد أن دوره أساسي ومهم، خاصة في هذه الفترة، وأن خططه من أجل تنمية المجتمع تقوم على أسس متينة، على المجتمع الدني أيضًا أن يطور من أدائه فليس المطلوب دائمًا تقديم الوجبات والقليل من المال، لكن أيضًا تعليم وتدريب من يستطيع ليكسب رزقه بنفسه.

ولعل الحوار السياسي القادم يكون خطوة في هذا الاتجاه، وهنا لابد من التأكيد على دور مراكز الأبحاث في وضع أجندة للإصلاح الاقتصادي، خاصة في هذه الفترة، يتفق عليها الجميع ويعملون على تنفيذها، المعارضون مثلهم في ذلك مثل المؤيدين، فعلينا جميعًا أن نعرف أننا في فترة شديدة الحرج، وأننا لسنا وحدنا في ذلك، فقد أعلنت فرنسا إجراءات "اقتصاد الحرب" وألمانيا على الطريق والكثير غيرهم.

على كل مصري أن يعرف أن الخروج من هذه الأزمة هو مفتاح النجاح، والوصول بالتنمية إلى مستقرها الطبيعي، وأن إحكام حلقاتها لن يكون إلا على رقاب الجميع، فإن لم يتكاتفوا ويقفوا صفًا واحدًا متماسكًا، فسيدفع الجميع ثمنًا فادحًا لذلك.


التعليقات

أخبار شبيهة

بحث

مساحة اعلانية

آخر الصور

أخبار متميزة

فيلم ألماني يتصدر ترشيحات «بافتا»

الاتحاد الأفريقى لليد يستجيب لطلب تأجيل سوبر الأهلى والزمالك

وزير التعليم العالي يهنئ الرئيس السيسى والشعب المصرى بانتصارات أكتوبر

انطلاق رحلات أسطول النقل المدرسي لخدمة 1,2 مليون طالب وطالبة بالمملكة

الصحة الإماراتية تسجل 1171 إصابة جديدة بفيروس كورونا

الرئيس يتفقد أكاديمية الشرطة للاطمئنان على جاهزية حماة أمن مصر

شهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيزحفل تخريج الدفعة 95 من طلبة الجوية

محافظ الشرقية بين أبنائه الطلاب في طابور الصباح ويؤدي تحية العلم في أول أيام العام الدراسي الجديد

 اليوم الوطني الإماراتي: د. شيماء لاري تتحدث حول الطب المهني وتجربتها الثرية

القوات المسلحة تحتفل بذكرى انتصار العاشر من رمضان

مساحة اعلانية