الدكتور خالد قنديل يكتب
الجمع العربي والمعادلة العالمية
الجمع العربي والمعادلة العالمية
د. خالد قنديل

لقد استطاع القادة العرب من خلال القمة العربية التي استضافتها مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، أن يرسلوا برسالة واضحة إلى العالم أجمع، مفادُها أنهم ماضون بثقة ويقين راسخ نحو اتخاذ المواقف الحاسمة والتي منبعها الصوت الواحد والتطلعات الواحدة والمصير المشترك، ليس فقط وَفق ما يستدعيه التاريخ من روابط الدم واللغة والعروبة والحضارة، بل أيضًا انطلاقًا من إرادة عربية حرة تلتف حول جسد الأمة الذي بدا للجميع بأنه آخذٌ في التعافي على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، بعد سنواتٍ ثقال واجه فيها هذا الوطن الممتد من المحيط للخليج أزماتٍ متوالية.

وقد انعقدت القمة في وقت دقيق، يشهد فيه العالم العربي متغيرات متلاحقة وأزمات متصاعدة على المستويين الدولي والإقليمي، مثل الحروب واللاجئين والإرهاب، والتدخلات الخارجية، ناهيك عن القضية الممتدة في عصب الأمة القضية الفلسطينية وغيرها من التحديات غير المسبوقة كالصراعات في سوريا وليبيا واليمن ومؤخرًا في السودان، تلك التحديات التي دفعت القيادات والحكومات والشعوب لاستعادة زمام المبادرة والتي سبقتها مؤشرات كانت للدولة المصرية فيها جهود كبيرة شملت تنظيم أكثر من قمة على مدار ثلاث سنوات استهدفت تنقية الأجواء العربية وإنهاء المشكلات الإقليمية في المنطقة.

ولأن الرسائل تُقرأ من عنوانها فقد كانت الشواهد الدالة منذ انطلاق القمة وصولا إلى توصياتها في ظل الجامعة العربية مؤكدة هذا السعي الحثيث لاحتواء الأزمات كافة بإرادة سياسية عربية خالصة، دون أي وصاية خارجية أو حسابات لمصالح غير المصلحة العربية الخالصة، لتكون أول قمة عربية مكتملة منذ 2010.

وقد رأينا دعوة الرئيس السوري بشار الأسد ولقاءه بالقادة العرب بعد خطوة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، واتخاذ قرارات حاسمة وتوصيات تجاه أزمات وقضايا ملحة في مقدمتها، هذا التطرف الإسرائيلى تجاه الفلسطينيين وعمليات القتل والتشريد والاستيطان المستمرة والتنكيل بالمقدسات الإسلامية، والعربية في القدس، والحرب التي انفجرت بالسودان في وضع ينذر بكارثة وخطر كبير ويهيئ الأجواء لعودة الإرهاب، كما أن ليبيا لا تزال هشة، واليمن يتأرجح، ولبنان بلا رئيس، ورغم أن سوريا عادت إلى الجامعة العربية، غير أن السوريين لم يعودوا إلى وطنهم، ولم ينس القادةُ في بيانهم مشكلات المياه التى تطول النيل بين مصر، والسودان مع إثيوبيا.

وفي لفتة دالة جاءت دعوة الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى القمة في إشارة دالة على تماس العرب مع الأزمات الدولية التي طالت آثارها السلبية مساحةً هائلة من العالم، وأنهكت اقتصاديات الدول في تحرك مهم نحو ترسيخ مسارات سياسية لتكون بديلا عن الاقتتال والصراع، سواء في الداخل أو الخارج حفاظا على القيمة الأسمى للوطن وهو الأمن؛ حيث إن هناك اتفاقًا راسخًا بين الدول العربية بأن الأمن القومي العربي كل لا يتجزأ، وأن القدرات الذاتية للتكوين العربي بالتعاون مع شركائها، كفيلة بمواجهة وصد أى مخاطر قد تحيق بالوطن العربى، وتأكيد عدم السماح لأن تكون المنطقة مجالًا للصراعات والتدخلات الخارجية، لأن هذا الوضع المتسبب الرئيسي في الكثير من الأزمات والاضطرابات.

لذا جاءت كلمة الرئيس السيسي ـ كعهده في هذه المحافل المهمة والفارقة ـ فارقة ومعبرة وكاشفة للواقع العربي ومؤسسة لخطوط عريضة وخارطة طريق واضحة المعالم نحو التئام الجسد العربي والوقوف كحائط صد متماسك في وجه كل ما من شأنه تهديد هذا الكيان ذي الثقل الكبير في العالم أجمع، وهو يشدد على أن الحفاظ على الدولة الوطنية، ودعم مؤسساتها، فرض عين وضـرورة حياة، لمسـتقبل الشـعوب وأن تطبيق مفهوم العمل المشترك، يتعين أن يمتد للتعامل مع الأزمات العالمية، وكذلك مطالبة إسرائيل بإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها "القدس الشرقية، وتفعيل التحرك العربى المشترك، لتسوية القضيتين والأزمتين السودانية والسورية إيمانًا بأن المقاربات العربية المشتركة، هى الوسيلة المثلى، لمراعاة مصالح هذا الوطن وشعوبه الكريمة، فالعالم العربي أصبح رقمًا فاعلاً في المعادلة الإقليمية والدولية.


التعليقات

أخبار شبيهة