الحقيقة التي لم تغب «فرج فودة»
الحقيقة التي لم تغب «فرج فودة»
أحمد راغب
بـقـلـم | أحمد راغب "تبدأُ الدائرة المفرغة في دورتها المُفزعة، ففي غياب المُعارضة المدنية، سوف يؤدي الحكم العسكري إلى السُّلطة الدينية". كم يكف المرأُ من الوقت كي يُصدِرَ حُكمًا -حكيمًا- كهذا الحُكم عن سُنةِ وطنه وبلده؟، وكم من العِلم والمعرفة والتجربة؟، وكيف يتسنى له -أساسا- إستشراف المُستقبل هكذا؟! لقد لخَّص -عزيزُنا- فرج فودة آفةَ حارتنا، التي لم تتخلص منها حتى الآن-بقدرٍ كاف- كي نصير -أقصد من الصيرورة وتحول الأحوال- من الأمم الطبيعية، التي تعيش الحياة كما قدّرها الله، ليس كما قدرها حُثالةُ الساسة، ومُطَبِّليهم، أو قررها إعلامٌ مُنقاد ومُوَجَّه، نحو تضليل القطيع من الشعوب. كان يتحدث عن رجال أعمال وأصحاب رؤوس أموال فسدة، لا يفكرون في أمر الأجيال الضائعة، التي تبيتُ جاهلةً من فعل -دناسة- الفقر فيهم وعليهم، وتصبحُ متطرفةً بدافع الإنتقام من الكُلِّ، حتى أنها لتغدوا أن تنتقم من نفسها! المسألة دائمًا ما تدخُلُ في عالم السياسة، فإنه باختصار "عندما تفلس الأحزاب، ويفلس السياسون، يلعبون على المشاعر الدينية؛ لأنها المدخل السريع لمشاعر الناس، وليس عقولهم، وهذا الخلط بين الدين والسياسة هو الخطر"! كان «فودة» ليبراليًا يميلُ إلى العلمانية، شارك في إعادة إطلاق حزب الوفد في السبعينيات، عندما سمح الرئيس أنور السادات-المقتول بأيدي الجماعات الإسلامية- بوجود أحزاب سياسية. لكنّ فودة استقال من الحزب عندما قرر -الحزب- الدخول في تحالفٍ مع جماعة"الإخوان المسلمين" في الإنتخابات التشريعية. أصرَّ على أنّ التكاتف مع "الإخوان" يتعارض مع جميع مبادئ العلمانية التي من المفترض أنّ «الوفد» قد دافع عنها. كان مقتنعا بأن هذا التحالف سيشكل نهاية الوفد كحزب مدني قيادي. وفقًا لرواية المتأسلمين وبعض الإسلاميين، كانت الهزيمة العسكرية لمصر أمام إسرائيل في حرب 1967 نتيجةً حتمية لزحزحة البلاد عن الإسلام في عهد عبد الناصر. تشير الرواية نفسها إلى أن الانتصار العسكري في عام 1973 في عهد السادات كان نتيجة لإعادة اعتناق البلاد للإسلام. أما من جانب عزيزنا، كان فودة مقتنعًا بأن الهزيمة كانت نتاج فشلنا في مواكبة التقنيات العسكرية الحديثة، وافتقارنا إلى العزيمة الوطنية. وأقولُ أننا كنا منهزمون سياسيًا والصوت الآحادي غالبٌ على الدولة، ولم يكن للمواطن الحر الحق في التعبير عن رأيه. كانت دولة "صلاح نصر". كان عزيزنا -فودة- مقتنعًا بنفس القدر بأن الانتصار في حرب أكتوبر كان نتيجة إلتزام عسكري بعكس الهزيمة والإرادة الوطنية القوية التي وقَفَت وراء الجيش في ذلك الوقت؛ حيث قد فتح السادات بسياسته الفطنة قبل أكتوبر سبيلًا للحرية والتعبير عن الرأي حتى كانت تخرج المظاهرات في الشارع تنقده، وتتطالب بالحرب. عارض فودة بشدة الرواية التي روجها الإسلاميون والتي أشارت إلى أن الملائكة كانوا يقاتلون إلى جانب الجيش المصري خلال حرب أكتوبر، ومن المفترض أنها أدت إلى النصر. وأنا هنا لستُ بصدد تأييد أفكاره في كل موقف وحادث، وإنما لنبين أننا عزيزنا ذا فكرٍ ورؤية واضحة، سليمة النية، تبعد عما زعم -أخينا- من أنه جاء ليهدم إسلامنا!، فهل عباقرة قريش(الغير مؤمنين) لم تستطع هدم الدين، فجاء فرج ليهدمه!! ، الأمر أشبه بنكته سخيفة. فرج فودة الأغلبية الساحقة من أفكاره تعبر عن رؤى شخصٍ يحب الإسلام، ويحب الناس. كان فودة شجاعًا دائمًا في معاركه ضد المتأسلمين، لا سيما مقاتلي الجماعة الإسلامية. واتهم السادات علانية بالمسؤولية عن صعود التيارات الإسلامية، وأصر دائمًا على إنشاء الجماعات الإسلامية في الجامعات من قبل أجهزة الأمن القومي وعملاء الحزب الوطني الديمقراطي (الذي قاده السادات) لمحاربة التيارات اليسارية والناصرية. حاول فودة تشكيل حزب مستقل لكن النظام أحبط جهوده. في عام 1992، في مقال نشرته مجلة أكتوبر الأسبوعية المملوكة للدولة، نشر فودة مقالاً توقع فيه نهاية الصراع العربي الإسرائيلي وتغيير المواقف التي من شأنها تحويل إيران إلى العدو الرئيسي. كما حذّر من تنامي نفوذ الإسلاميين في السودان. كان من أوائل الأصوات التي جادلت بضرورة عمل مصر لتأمين حصتها من مياه النيل. هذه كلها مواقف لرجل لديه رؤية واضحة. يعتقد فودة اعتقادًا راسخًا أنَّ الاقتصاد الموازي الذي كان يُسمح للإسلاميين به كان حاسمًا للسلطة التي تتمتع بها الجماعات الإسلامية. وحذَّر من وكالات الاستثمار الإسلامية ومن القدرة المالية المتزايدة للإسلاميين، بما في ذلك التأثير القوي للإسلاميين عبر وسائل الإعلام التي سمحت بإفراط في الدين. عشية الصراع الطائفي المدمر في إمبابة، فشل فودة في الحصول على موافقة الحكومة لإنشاء منظمة غير حكومية للأمن القومي كان حريصًا على إنشائها. قسّم فودة في تحليله التيار الإسلامي إلى ثلاثة معسكرين: المعسكر التقليدي الذي يمثله الإخوان المسلمون. المعسكر الثوري المتمثل في الجماعات المتشددة. ومعسكر الأثرياء كان هذا هو الاتجاه السائد بين أولئك الذين حصدوا ثروات كبيرة خلال سنوات من العمل في المملكة العربية السعودية. جادل فودة بأن النظام السعودي رفض دائمًا الاعتراف بالاتجاه الثوري داخل الحركة الإسلامية لأنه لم يتم إخضاعه لتوجيهات سعودية. كما جادل بأن السعوديين كانوا متشككين في استيعاب الإخوان المسلمين، لكن قلبهم ودعمهم كان حقًا مع أولئك الذين يمثلون طريقة التفكير السعودية بعد أن أمضوا سنوات طويلة من العمل وكسب المال في المملكة العربية السعودية. كان عزيزنا -فودة- باحثًا دقيقًا جدًا في الأمور المتعلقة بتاريخ الإسلام. هذا وضعه بالضبط في المكانة الصحيحة لمجادلة الإسلاميين. كما وضعه كهدف مباشر لازدرائهم لأنه قدم حججًا ضد الدعوة إلى الخلافة الإسلامية أو ضد اعتراضات الإسلاميين على الفوائد التي تقدمها البنوك على المدخرات، من بين أمور أخرى. كان فودة مؤيدًا قويًا للاجتهاد -بحث لا نهاية له في المسائل الإسلامية في البحث عن إجابات للأسئلة الحديثة- حتى لو كان هذا البحث قد يأخذ في الاعتبار المعتقدات الإسلامية الراسخة التي قالوا عنها "راسخة". قدم فودة تعريفًا مباشرًا للحكم العلماني، بكونه حكم مدني يقوم على المبادئ الدستورية المتمثلة في المساواة في الحقوق لجميع المواطنين وحرية العقيدة الكاملة، وليست تلك الكلمة (العلمانية) التي يدّعي البعض عليها أنها كلمة تبيح الرذائل والفُحش في المجتمع كما روّج ذلك بعض الدعاة الخُبُل. كان فودة مؤلفًا للعديد من الكتب المهمة بما في ذلك كتابه «قبل السقوط» الذي حذّر وتوقع فيه هيمنة الإسلاميين التي تجلت بعد بضعة عقود في صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة. أظهر فودة شجاعةً لا تصدق في الوقوف ضد الجدل الإسلامي خلال مناظرة شهيرة في معرض الكتاب مع شخصيات إسلامية وإخوانية بارزة. عندما شاهدتُ تلك المناظرة، شعرتُ كأني هناك حتى أني أصبت بقلق شديد، كأنه حيُّ يُرزق بسبب إصراره على الخوض في نقاش ضد ثلاث شخصيات إسلامية بارزة بعد أن قررت شخصيتان علمانيتان تخطي الحدث. لكنه كان ملتزمًا وأصر على أنه حتى لو كان عليه أن يموت من أجل قوله ما يؤمن به، فإن هذا لن يقوض منصبه بل سيعطيه مزيدًا من القوة والوزن. أتذكر بوضوح يوم المناظرة من قراءاتي ومشاهدتي لبعض الفيديوهات لها، وكواليسها المندثرة عن المثير، تلك المناظرة التي حضرها عدد كبير من الشباب الإسلاميين في "الجلابيب" والذين وزعوا لاحقًا على نطاق واسع مقطع فيديو لهذا النقاش حيث أُعتُقِدَ أن فودة سحق الإسلاميين الثلاثة الحاضرين. مات فودة-قتلًا- على أيدي أحد الجهلاء الذين لم يقرأوا كتابًا واحدًا له، مات من أجل حب بلاده ومستقبلها ووحدة المسلمين والأقباط. مات من أجل حرية كل المصريين. قد يُقتل أشخاص مثل فودة كثمنٍ لمناصبهم، لكن أفكارهم لا تموت أبدًا. إنهم يعيشون ويقدمون التغيير في المستقبل. وها أنا آتيكم بذكراه العطره، لأطرح فكرة واحدة، أن الأفكار لا تُحارب بالرصاص، فما ماتت فكرةٌ بالرصاص أبدًا. أنا أرفض تتبع أصحاب الأفكار أمنيًا أو محاولة قمعهم عن طريق الأمن، الفكرة دائمًا لها أجنحة تطير وتنفك عن الشخص، فإذا مات لم تمت الفكرة! فأقولُ لدولتنا إن محاولة قمع بعض الأفكار، سيؤدي بالنهاية أنها سوف تقمعك.

كتب


التعليقات

أخبار شبيهة

بحث

مساحة اعلانية

آخر الصور

أخبار متميزة

جهاز حدائق أكتوبر: الانتهاء من تسليم 65 ألف وحدة سكنية لمحدودى الدخل

ليلة مليئة بالمحبة والبهجة والسعادة في حفل الزفاف السعيد

الرئيس السيسى يتلقى اتصالا هاتفيا من رئيس الوزراء الإسرائيلي

منتخب الفراعنة يتعادل مع المنتخب الاسبانى

المساواة في الحصول على الرعاية الصحية الهدف الأساسي لنشاط الإقتصادي

عزاء اللواء محمد شفيق وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق

تعرف على كيفية الاختبار الرياضى فى كلية الشرطة

تنسيق الجامعات الخاصة 2022.. 82% للطب.. و80% للأسنان.. 74% للصيدلة.. 68% للهندسة

الرئيس السيسى: ندعم جهود إنهاء التوتر والحد من نزيف الدماء والخسائر فى فلسطين

وزير السياحة والآثار يتابع الموقف العام لجاهزية تشغيل المتحف المصري الكبير

مساحة اعلانية