في زحمة الحياة وتسارع أحداثها، يظن البعض أن السير على غير هدى هو أمرٌ طبيعي، وأن العشوائية في القرارات والتخبط في المسارات هي قدر لا مفر منه. لكن الحقيقة التي يغفلها الكثيرون أن للحياة هندسة… نعم، هندسة دقيقة لا تقل في تعقيدها وجمالها عن أي مشروع معماري أو نظام إلكتروني. بل إن هندسة الحياة هي التي تحدد ملامحنا، ومصائرنا، وربما أيضًا إرثنا الذي نتركه خلفنا.
“هندسة الحياة” ليست مجرد تعبير مجازي، بل هي رؤية شاملة لإدارة العمر، وتخطيط المسار، وتوظيف الإمكانيات. كلنا نحمل في دواخلنا مشروعًا شخصيًا، قد لا نراه بوضوح، لكنه موجود. الفرق فقط بين من يتعامل مع حياته كمشروع قابل للتصميم والتطوير، وبين من يتركها فريسة للظروف.
الهندسة في مفهومها العام تقوم على ثلاث دعائم: التخطيط، والتنفيذ، والتقييم. وكذلك هو الحال في الحياة. فالتخطيط لا يعني فقط وضع أهداف بعيدة، بل يشمل معرفة الذات، واكتشاف القدرات، وتحديد الأولويات. والتنفيذ لا يكون ناجحًا إلا بالانضباط، والتحمل، والمرونة. أما التقييم، فهو المراجعة الصادقة مع النفس، والتعلم من الفشل قبل النجاح.
في عالم اليوم، لم تعد المعرفة وحدها كافية، بل أصبحت القدرة على تنظيم الحياة والوقت والموارد مهارة حاسمة. من هنا، تظهر الحاجة إلى نشر ثقافة “هندسة الحياة” في مدارسنا، وجامعاتنا، ومؤسساتنا. فكم من شاب يملك الموهبة، لكنه يفتقر إلى التخطيط! وكم من مشروع إنساني عظيم وُلد في الذهن، لكنه مات في الواقع لأنه لم يُنفذ على أسس هندسية واضحة!
إن هندسة الحياة لا تعني أن تكون حياتنا خالية من العفوية أو الحلم، بل تعني أن نحلم بشكل منظم، وأن نحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى خطوات، والخطوات إلى واقع ملموس.
فكما يُهندس المهندس بناءً يقف شامخًا لعقود، يمكن للإنسان أن يهندس حياته لتصبح قصة نجاحٍ ملهمة، ترويها الأجيال من بعده